حرق PKK لأسلحته- نهاية حقبة العنف في تركيا؟

المؤلف: كمال أوزتورك08.26.2025
حرق PKK لأسلحته- نهاية حقبة العنف في تركيا؟

تشهد تركيا تحولات عميقة ومصيرية في ملف الإرهاب المستمر منذ أربعة عقود. مفاجأة غير متوقعة تلوح في الأفق، حتى بالنسبة للمراقبين المخضرمين: حزب العمال الكردستاني (PKK) يستعد لحرق أسلحته على مرأى ومسمع من العالم، في إعلان مدوّ بأنه لن يعود إلى العمل المسلح إطلاقًا. نعم، الأمر حقيقي، سيتم إحراق الأسلحة أمام أنظار الجميع بلا مواربة.

هذا الحدث الفريد من نوعه يسجل سابقة تاريخية على مستوى العالم.

كيف تعاملت التنظيمات مع تدمير أسلحتها في الماضي؟

عندما أعلنت جماعات مسلحة مثل الجيش الجمهوري الأيرلندي (IRA)، وإيتا (ETA)، وفارك (FARC) عن توقفها عن القتال، انتهجت أساليب مختلفة لتسليم أسلحتها.

على سبيل المثال، آثر الجيش الجمهوري الأيرلندي عدم تسليم أسلحته مباشرة للحكومة البريطانية. وبدلًا من ذلك، اختار طريق نزع السلاح عبر لجنة دولية مستقلة، ضمت في صفوفها عسكريين متمرسين، ورجال دين مرموقين، وممثلين عن منظمات المجتمع المدني الفاعلة.

قام الجيش الجمهوري بتزويد اللجنة بالإحداثيات الدقيقة لمواقع تخزين الأسلحة، لتشرع اللجنة بعد ذلك في عملية التدمير السرية، دون عرضها على الملأ. واكتفى أعضاء اللجنة بإعداد تقارير مفصلة وإبلاغ الحكومة البريطانية بإتمام عملية التدمير بنجاح.

أما منظمة إيتا الانفصالية في إسبانيا، فقد اتبعت آلية مختلفة، حيث عمدت إلى تسليم إحداثيات مستودعات الأسلحة للحكومة الفرنسية، بدلًا من تسليمها مباشرة للحكومة الإسبانية، ليتم تدميرها تحت إشراف مشدد من قوات الأمن الفرنسية ومراقبين معتمدين من الحكومة الإسبانية.

وفي كولومبيا، تم تسليم أسلحة فارك إلى لجنة خاصة أنشأتها الأمم المتحدة، بعد أن تسببت هذه الأسلحة في إزهاق أرواح ما يقارب 300 ألف شخص خلال فترة النزاع الطويلة. وأعلنت اللجنة رسميًا أن تلك الأسلحة قد أُخرجت من الخدمة بشكل كامل ونهائي، بل ذهبت الحكومة الكولومبية إلى أبعد من ذلك، حيث قامت بصهر بعضها وتحويلها إلى تماثيل رمزية للسلام.

لأول مرة.. الأسلحة ستحترق

لكن هذه المرة، ستشهد تركيا سيناريو مختلفًا كليًا عن التجارب السابقة للتنظيمات المسلحة الأخرى. فبعد مفاوضات ماراثونية استمرت قرابة عام مع الجمهورية التركية، اتخذ حزب العمال الكردستاني قرارًا مفاجئًا بالتخلي عن السلاح بطريقة غير تقليدية: بالحرق العلني. لن يتم تسليم الأسلحة للدولة، ولا للجنة، ولا للأمم المتحدة، بل سيتم إحراقها بالكامل لتتحول إلى رماد.

في يوم الجمعة الموافق 11 يوليو/تموز 2025، سيغادر عدد محدود من مقاتلي الحزب معاقلهم الجبلية، متجهين نحو ساحة بالقرب من مدينة السليمانية في شمال العراق. هناك، سيقومون بإحراق أسلحتهم أمام عدسات وسائل الإعلام الدولية، وحضور نخبة من الأكاديميين المرموقين، والمفكرين المستنيرين، والسياسيين المخضرمين، بالإضافة إلى مسؤولين رسميين من الحكومة التركية.

من المتوقع ألا يتجاوز عدد عناصر الحزب المشاركين في هذه المبادرة الرمزية عددًا قليلاً؛ ربما يتراوح عددهم بين 30 و40 شخصًا. لكن من المفترض أن تتوالى الخطوات اللاحقة بشكل متسارع في الأيام التالية، شريطة ألا تطرأ أي عوائق غير متوقعة.

هذه الطريقة المبتكرة وغير المسبوقة ستكون، على ما يبدو، علامة فارقة في تاريخ الحركات المسلحة حول العالم.

لماذا يتخلى الحزب عن السلاح؟

تعود الجولة الأولى من المحادثات بين تركيا وحزب العمال الكردستاني بشأن وقف إطلاق النار إلى الفترة بين عامي 2013 و2015، لكن هذا المسار لم يكتب له النجاح، وعاد الحزب لممارسة نشاطه المسلح. عُرفت تلك المرحلة باسم "عملية الحل"، لكنها واجهت انتقادات لاذعة في تركيا، وتسببت في صدمات مجتمعية عميقة.

لذلك، قوبلت المحاولة الثانية لوقف القتال بمعارضة شديدة من الرأي العام والأوساط السياسية، وتوقع الكثيرون فشلها الذريع مجددًا. وأظهرت استطلاعات الرأي أن 15% فقط من الشعب كانوا يؤيدون هذه المحاولة الجريئة.

بيدَ أن تأييد رئيس حزب الحركة القومية دولت بهتشلي للمسار الثاني – بعد معارضته الشرسة للمسار الأول – إضافةً إلى التحولات المتسارعة في معادلات الأمن الإقليمي والجيوستراتيجية، قلب الموازين رأسًا على عقب.

تحولات في الأمن والجغرافيا السياسية

يمكن القول إن دعم حزب الحركة القومية وحزب العدالة والتنمية لهذا المسار الحساس ساهم بشكل كبير في إطلاق المحاولة الثانية للتخلي عن السلاح، لكن السبب الجوهري يكمن في التغيرات العميقة التي طرأت على معادلة الأمن الإقليمي المعقدة.

فقد أدخلت القوات المسلحة التركية تعديلات جذرية على مفهومها لمكافحة الإرهاب، وحقق الجيش تفوقًا ملحوظًا بفضل التقنيات المتطورة للطائرات المسيّرة وأنظمة المراقبة المتقدمة.

ومع مرور الوقت، تضاءلت قدرة حزب العمال الكردستاني على تنفيذ عمليات نوعية داخل الأراضي التركية. ولم يكتفِ الجيش بذلك، بل شنّ سلسلة من العمليات العسكرية الناجحة داخل الأراضي العراقية، وأقام شريطًا أمنيًا محكمًا بعمق 50 كيلومترًا من الحدود، مما كبّد الحزب خسائر فادحة وشلّ قدرته على شن هجمات داخل تركيا.

وفي الجانب الجيوسياسي، أسهمت حرب غزة والتوتر الإيراني-الإسرائيلي المتصاعد في إعادة ترتيب أوراق المنطقة لصالح تركيا. تراجعت مكانة إيران، التي كانت تُعدّ من أبرز الداعمين للحزب في شمال العراق. أما الحكومة السورية الجديدة، فقد بدأت في التقارب والانفتاح على تركيا، مما قلّص من حرية تحركات الحزب في سوريا.

وعززت حكومة السوداني في العراق، والإدارة الكردية بقيادة البارزاني علاقاتهما الوطيدة مع أنقرة، مما وضع الحزب في موقف بالغ الحرج والضعف. ومع تزايد رغبة الولايات المتحدة في الانسحاب التدريجي من سوريا، بات وجود حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب (YPG) أكثر هشاشة وعرضة للخطر.

لهذا، فإن الحزب – وإن بدا ظاهريًا أنه يختار مسار السلام بإرادته – فهو في الواقع مُجبر عليه بفعل الضغوط المتزايدة. لقد مُنح تنظيم مُنهكًا عسكريًا فرصة ذهبية للخروج المشرف من الأزمة. وتسعى الدولة التركية جاهدة لإنهاء الحزب سياسيًا واجتماعيًا أيضًا، على غرار ما حدث مع فارك في كولومبيا، حتى لا تعود الحرب المدمرة مرة أخرى.

وتجدر الإشارة إلى أن نسبة التأييد لهذه المرحلة الحاسمة في تركيا قد ارتفعت الآن إلى 60%. وإذا ما ألقى الحزب سلاحه بالفعل، فإن الأثر الاقتصادي والاجتماعي الإيجابي على البلاد سيكون هائلاً ولا يُمكن تصوره.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة